تشترك غالبية مدن العالم في هذا العصر بانقسامها فعلياً إلى مدينتين، واحدة للأغنياء، تسطع أضواؤها من بعيد، شوارعها معبدة ونظيفة، منازلها واسعة بنوافذ عريضة يلعب فيها الهواء وحدائق مزينة بالشجيرات والأزهار. والأخرى للفقراء، تمتلك كل الصفات المعاكسة للأولى، لا كهرباء ولا إضاءة، بيوتها متراصة فوق بعضها البعض، لا تهوية ولا شمس تدخلها..
يرسم غسان كنفاني في أعماله الأدبية ومقالاته صورة واضحة وجلية للمكان، ليصبح أحد أبطاله المهمين، «اللا مرئي» ولكن «لا غنى عنه» في النص، مَثله في ذلك مَثل الذاكرة، بطل آخر، يتفنن كنفاني في رسمه وتوظيفه للقضية التي يناضل من أجلها. يفعل ذلك بذكاء سياسي وطني محنك ومهارة أديب وفنان قل نظيره.